تحديات النقل الجماعي في زمن التباعد الاجتماعي

تحديات النقل الجماعي في زمن التباعد الاجتماعي

تحاول شركات النقل والمواصلات في المدن الكبرى عادة بذل مجهود كبير حتى تستوفي الطلب على المواصلات لملايين الناس في الذهاب  والاياب من أعمالها، منازلها، مدارسها، الخ. جائحة الكورونا قلبت المعادلة رأساً على عقب.

ألزمت الجائحة  ملايين من الناس في بيوتها، لا تخرج إلا لشراء أغراضها الأساسية، مجتنبا أماكن كانت لا تصل إليها إلا بالمواصلات. في ظل هذا مرض رئوي معدي لا علاج له، يمكننا أن نقول إنه أمر إيجابي للصحة العامة، لكن بالنسبة لشركات النقل والمواصلات يعني خسارة الملايين من الارباح كل يوم. بدون العائد الربحي من الركاب، البنية الأساسية لشبكة النقل والمواصلات في خطر الانهيار.

تكلمنا مع أحمد الليثي رئيس العمليات في شركة مواصلات مصر عن أهم المشاكل التي تسببت فيها الجائحة، والخسائر التي تعرضت الشركة لها، وعن كيفية تعامل الهيئة مع تعليمات الصحة المفروضة الجديدة.

النقل العام في مواجهة تحديات اقتصادية جديدة

احمد الليثي قال إنه في الثلاث شهور الأخيرة انخفض العدد الإجمالي للركاب بنسبة ٨٠٪؜ و ٤٠٪؜ انخفاض في عدد الركاب للرحلة الواحدة، بمعنى أن كل ١٠ اشخاص كانوا يستعملون المواصلات قبل الحظر انخفضت إلي شخصين فقط، وأن كل ١٠ أشخاص في الرحلة الواحدة انخفضت إلي ٦ فقط بعد فرض الحظر. القاهرة ليست المدينة الوحيدة التي تعرضت للانخفاض الحاد في الركاب، البيانات الحديثة في الولايات المتحدة تظهر انخفاض مشابه لهذه النسب.

انخفضت أنماط التنقل من المطاعم، والكافيهات والأسواق والشواطئ والمتنزهات في شهر مايو، كما أظهرت دراسة الأنماط اخفاضاً بنسبة ٧٥٪؜ في شهر مايو في مراكز وتجمعات النقل الجماعي مثل محطات المترو والأتوبيسات وذلك مقارنة بنفس الارقام في الأعوام السابقة. 

 

Figure 1 shows Cairo Governorate’s lowered rates of movement from Google’s Mobility report 2020

وتتوقع شركات النقل المتعاقدة مع الحكومة ارتفاع في التكلفة نتيجة التعليمات الصحية الوقائية الجديدة. اخبرنا احمد الليثي أن جزء من الاستراتيجية الوقائية المتبعة لشركة مواصلات مصر هي قياس درجة حرارة السائقين كل يوم قبل بداية العمل وتحصينهم بكمامات الوجه والمنظفات الكحولية.

انخفاض عدد الركاب أمر لا مفر منه حتى مع السياسة الوقائية المتبعة للشركات، لكن الخطر الأكبر حتى بعد زوال الحظر ان تدخل المواصلات وهيئاتها في دائرة من الخسارة المالية، يليها تراجع في الخدمات، ثم المزيد من الانخفاض على الطلب. بداية الظاهرة نراها حالياً في شركة مواصلات مصر حيث اقتصرت الرحلات على ٦٠٪؜ من الرحلات الطبيعية يخدمها 5٠٪؜ من الاوتوبيسات في الأسطول…كما اضطرت الشركة لتسريح جزء من قوتها العاملة (السائقين المعينين حديثا في فترة الاختبار مثلا)

اما بالنسبة للوقت الحالي فإن تقليص الخدمات يجعل شبكة المواصلات أقل فائدة للجمهور الذي لا يزال يستخدمها بشكل يومي، العاملين الأساسيين في الحقل الطبي والمستشفيات. لولم يعد معدل الركاب كما كان عقب زوال التباعد الاجتماعي والحظر ستنهار منظومة المواصلات، مما يعني ألا تحصل الشركات على العائد الكافي الذي يجعلها تواصل الخدمة ما لم تتقدم الحكومة وتتحمل جزء من دعم التكاليف. علي الرغم من هذة الظروف هيئة النقل العام مازالت تُحصل قيمة الحصة الشهرية التي كانت تبلغ ثمانية آلاف جنيه من كل مركبة مقابل الانتفاع بالمسارات قبل أزمة كورونا.

وقد تقدمت شركات النقل الجماعي من ضمنها مواصلات مصر بمذكرة إلى عدد من الجهات المسئولة ورئاسة مجلس الوزراء تطالب فيها تخفيض و تأجيل دفع قيمة الحصة الشهرية والمخالفات والجزاءات حتى العودة للحياة الطبيعية  مع تقديم الدعم اللازم أسوة بالقطاعات المشابهة المتضررة كالطيران والسياحة.

العالم ما بعد الجائحة

كثيراً ما واجهت المواصلات العامة تحدي أن تسوق نفسها كخيار جيد وليس فقط كخيار أخير تلجأ إليه في حال عدم توفر سيارة، لكن مع تخوف الناس من وجودهم في أماكن مزدحمة مغلقة يتحول التحدي إلى كيفية استعادة ثقة الناس في المواصلات مرة اخرى.

ذكرت كيوليس؛ إحدى أكبر شركات إدارة المواصلات في العالم أن الناس يتصورون أن المواصلات العامة مسببة للعدوى وأكثر خطورة من الملاهي الليلية مما يسلط الضوء على تخوف الناس من ركوب المواصلات، والتحديات التي ستواجه شركات المواصلات لاستعادة مكانتهم السابقة. 

علي الرغم من ذلك يتوقع البعض ان العالم ما بعد الجائحة سيكون مكاناً أفضل للمواصلات. محمد مزغاني السكرتير العام للUITP قال ان “على الرغم من التحديات، هذه الأزمة أتت بفرص عديدة، الممارسات الجديدة في النظافة والتطهير باقيه معنا مما سيجعل المواصلات العامة أكثر جاذبية واأمن للسفر. التحول الرقمي (digitalization) سيسير بخطى أسرع عن ذي قبل وستتيح التطبيقات الرقمية للمسافرين إمكانية تخطيط رحلاتهم، مع بيع التذاكر بدون تلامس، وكذلك الصيانة والعمليات الذكية.”

صرحت مواصلات مصر أنهم يعملون على زيادة بيع التذاكر بالكارت الذكي للتقليل من الاتصال المباشر بالجمهور. احمد الليثي أخبرنا “قبل الجائحة كان ٤٠٪؜ تقريباً من العملاء يستعملون الكارت الخاص للشركة. ورغم الجائحة لازال هذا الرقم موجود. بنهاية ٢٠٢٠ بغض النظر عن عدد المتعاملين نتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلي ٦٠٪؜ من العملاء” 

إن العمل على إرضاء العملاء في ظل الأزمة من نظافة المركبات على نحو ظاهر امام الجمهور وتشجيع العاملين والركاب على ارتداء الكمامات يستوجب التعاون والعمل المتناغم من كل الشركاء المعنيين في ادارة المواصلات في البلاد لتجنب تفكك الشبكة وانهيار النظام.