الخط الثاني

كيف يواجه النقل العام في مصر الجائحة مع الاستمرار في العمل وحماية العمال؟

بواسطة محمد حجازي. 3 مايو 2020

عمال النقل عنصر أساسي  في مدننا خلال جائحة كورونا الحالية وما بعدها، فهم يقومون بنقل العمالة الأساسية – مثل الأطباء والممرضين والمستجيبين في حالات الطوارئ – من وإلى العمل، وبذلك يعرضون صحتهم وسبل معيشتهم للخطر. والخطر الذي يواجهونه هو نفس الخطر الذي نواجهه.  ولحماية موظفيهم وركابهم وضمان استمرارية العمل على المدى الطويل، يجب على مشغلي النقل العام1 اتخاذ إجراءات إضافية أثناء المرحلة المبكرة الحالية تتعدى التركيز على إجراءات النظافة الصحية.  ويتوجب على الجهات المنظمة للنقل العام،2, وعلى رأسها وزارة النقل، وضع خطة لدعم قطاع النقل بسيارات الأجرة ونقل الركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات وخدمات النقل الجماعي (أي خدمات الحافلات الصغيرة (الميكروباص) وغيرها) للتعامل مع الجائحة.

ما زلنا حتى اللحظة في المراحل المبكرة من الأزمة، وبناءً على ذلك تم، على المدى القصير، فرض مجموعة محدودة من تدابير التباعد الاجتماعي، ولكن على المدى المتوسط (من سنة إلى سنتين)، سنحتاج إلى وضع استراتيجيات لرفع هذه التدابير بشكل تدريجي والعودة مرة أخرى إلى الوضع الطبيعي.  وعلى مدى الشهور الـ18 المقبلة، من المتوقع تكرار تفشي الفيروس بالتزامن مع تقليل الإجراءات الاحترازية، ما سيستتبع إعادة فرض بعضها، (الشكل 1).3.

شكل (1): انتشار العدوى المتوقع

بالتالي، من الضروري اتباع نهج طويل الأمد لإدارة استجابة قطاع النقل العام لتفشي كوفيد – 19. وينبغي أن يحتوي هذا النهج على تدابير متعددة تتخطى احتياطات النظافة الصحية لتشمل ضوابط هندسية وإدارية، وكذلك توسيع نطاق جميع التدابير لتشمل قطاع النقل غير الرسمي.

منع انتشار كوفيد – 19

شكل (2): تقرير التنقل المجتمعي لكوفيد 19 : بيانات جوجل في 5 أبريل

“تعتبر أنظمة النقل العام، مثل الحافلات والقطارات، بيئات عالية الخطورة لنقل كوفيد – 19، لعدة أسباب، منها وجود عدد كبير من الأشخاص في مساحة ضيقة، وعدم إمكانية مراقبة دخول الركاب4 لتحديد ناقلي العدوى المحتملين منهم، والأهم، كثرة الأسطح المعرضة للمس، مثل ماكينات إصدار التذاكر والدرابزين ومقابض الأبواب” (الاتحاد الدولي للنقل العام، 2020).

وركزت معظم الإجراءات في مصر على منع انتشار الفيروس داخل المركبات: حيث أدت توجيهات البقاء في المنزل إلى تقليص الطلب على وسائل النقل.  وتُظهر البيانات المجمعة والمُجهلة من خرائط جوجل انخفاض عدد مرتادي
محطات النقل بنسبة 51% (الشكل 2).

شكل (3): تعقيم مترو القاهرة

كما قام مشغلو وسائل النقل العام باعتماد عدد من تدابير النظافة البيئية، أي تنظيف وتعقيم المحطات والمركبات وأماكن العمل للحد من تلوث الأسطح (الشكل 3). وحاولت وزارة النقل الحد من التكدس من خلال زيادة وتيرة خدمات مترو القاهرة لتمكين التباعد الاجتماعي. وقامت بعض خدمات الحافلات الصغيرة الخاصة الذكية بوضع حد لعدد المقاعد التي يتم شغلها بالركاب في كل مركبة لتقليص التكدس.
في جنوب أفريقيا على سبيل المثال، فرضت الدولة على الحافلات الصغيرة نسبة إشغال لا تتعدى 70% بينما حددت كينيا النسبة بـ30% فقط.

حماية عمال النقل من كوفيد – 19

سائقو الحافلات العامة والعاملون في المحطات وموظفو المترو هم عمال الخطوط الأمامية الذين يتواصلون يوميًا مع الكثير من الأفراد، وهم بالتالي أكثر عرضة لخطر الإصابة، كما أنهم قد يكونوا ناقلين غير مدركين للفيروس. ففي مدينة نيويورك، لقي ما لا يقل عن 41 من عمال النقل حتفهم وأصيب أكثر من 6000 بالمرض أو التزموا الحجر الذاتي (Goldbaum, 2020)،  بالإضافة إلى نقص في الكوادر وتأخيرات كبيرة في خدمة مترو الأنفاق وانخفاض في القدرة بلغ 40%. وفي لندن، لقي 15 عامل نقل حتفهم بسبب كوفيد – 19. وتم الإبلاغ عن خسائر مماثلة في معظم المدن الرئيسية الأخرى المتضررة. ويزيد ارتفاع هذه المخاطر في مصر بسبب:

  • مستويات الازدحام العالية في محطات الحافلات وفي المركبات، وينطبق الأمر نفسه على ترتيبات الجلوس الضيقة في قطاع النقل الجماعي
  • ارتفاع مستويات التعرض المهني طويل الأمد لتلوث الهواء في البيئة المحيطة، وهو مرتبط بعواقب صحية سيئة؛ وبالتالي يعتبر السائقون ضمن الفئة السكانية الأكثر عرضة للإصابة بأمراض فيروس كورونا (Lawin, et.  al, 2018; Xiao, et. al, 2020)
  • غالبًا ما يتم التعامل مع بيع التذاكر والتحقق منها بشكل يدوي

واقتصرت تدخلات حماية العمال في مصر حتى الآن على المشغلين الرسميين وتركزت على تعزيز النظافة الصحية؛ حيث فرضت هيئة النقل العام بالقاهرة بعض تدابير الحماية الشخصية مثل توزيع الأقنعة والقفازات على العاملين لديها، إضافة إلى فرض ضوابط إدارية مثل القيام بمراقبة درجة الحرارة بشكل منتظم. وقام مترو القاهرة بتكليف جميع العاملين لديه بغسل اليدين بانتظام، على الأقل كل ساعتين (اليوم السابع، بدون تاريخ).

حماية سبل عيش العمال وضمان بقاء الصناعة

يواجه النقل العام تحديًا مزدوجًا: أولاً، سوف يعاني من انخفاض حاد في الإيرادات بسبب انخفاض الطلب على النقل بشكل عام، وبسبب تدابير التباعد الاجتماعي التي تم تنفيذها ضمن المركبات (أي الحفاظ على حد أدنى من مسافة). على سبيل المثال، أشارت مواصلات مصر إلى انخفاض بنسبة 85% في إيراداتها اليومية مقارنة بإيراداتها اليومية قبل الجائحة (ربيع، 2020). ثانيًا، سوف ترتفع تكاليف العمل من أجل تمويل تدابير النظافة البيئية وشراء معدات الحماية الشخصية. وقامت لجنة آلية تسعير الوقود مؤخرًا بخفض أسعار الوقود بشكل طفيف، ومن المُقرر أن يتم استخدام التوفير في نفقات الوقود في التعامل مع تداعيا ت كوفيد-19 وتحسبًا لأي زيادات مستقبلية محتملة في أسعار الوقود.

ويظل ضمان استمرارية الخدمات على المدى القصير أمرًا في غاية الأهمية، لا سيما أن المشغلين الرسميين قد يواجهوا نقصًا منهكًا في الموظفين بسبب إصابتهم بالفيروس أو بسبب الحجر الصحي أو التغيب. ولم يتم لغاية الآن ضمان تمويل مخصص للمشغلين الرسميين لمساعدتهم على الصمود في مواجهة العاصفة غير العادية.  ووعدت الحكومة بتقديم مبلغ 500 جنيه مصري لمدة ثلاثة أشهر للعاملين في القطاع غير الرسمي، والذي قد يشمل بعض عمال النقل غير الرسمي الذين يستوفون معايير التسجيل. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك خططَا لضمان استمرارية قطاع النقل الجماعي. كما أن استمرار الإغلاق المحلي الكامل، مثل الوضع في كرداسة، من شأنه أن يمنع عمال النقل من العمل. وعليه، فإن ضمان بقاء الصناعة وقدرتها على التكيف على الأمدين المتوسط والبعيد أمر ضروري، كما أنه من المطلوب وضع تدابير طويلة الأمد لزيادة مرونة النظام.

ماذا بعد؟

تخيل السيناريو التالي: يمرض بعض عمال النقل، ينقلون العدوى إلى زملائهم وربما الركاب، وينتشر الذعر بين أفراد القوة العاملة، فيقوم بعض العمال بإجراء حجر ذاتي، مما يعني فعليًا التوقف عن العمل وتعطيل تقديم الخدمات. وتؤدي الخدمة المحدودة إلى اكتظاظ خطير وتأخيرات وفقدان الثقة في المنظومة، ثم يتوقف من يستطيع من الأشخاص عن استخدام النقل العام بشكل كامل، مما يهدد المنظومة على المدى الطويل. ويتم الدخول في دائرة مفرغة.

ليتمكن من تحقيق هدفه بشكل كامل ولمنع المزيد من انتشار العدوى، يحتاج قطاع النقل العام إلى عدد من التدابير اللازمة لسلامة موظفيه وركابه من تفشي فيروس كوفيد-19، لضمان استمرارية العمل على المدى القصير وبقاء الصناعة على المدى البعيد، وتشمل هذه التدابير:

الشكل 4: (يسار) تونس ، (يمين)  بيكين؛ ستائر واقية
  1. تنفيذ ضوابط هندسية لفصل العمال عن التلوث المحتمل (الشكل 4) (TUMI, 2020).
  2. توسيع نطاق الضوابط الإدارية لتمكين الكشف المبكر عن العدوى المحتملة بين عمال النقل. ويشمل هذا تدابير متعددة: تنفيذ مسح يومي إلزامي للأعراض وقراءة درجات الحرارة لجميع الموظفين (وهو ما يتم في المملكة المتحدة/الولايات المتحدة الأمريكية) (Halbfinger, 2020)، التباعد التام بين الموظفين بين نوبات العمل، استبدال كامل لفريق المناوبة في حال جاءت نتائج اختبارات أحد موظفيها إيجابية (النموذج المحتذى في كوريا الجنوبية) وإصدار معدات حماية شخصية وأقراص فيتامين سي للموظفين (مثل سنغافورة).

  3. توسيع نطاق التدابير لتشمل القطاع غير الرسمي: ينبغي أن تقوم وزارة النقل بالتعاون مع وزارة الصحة بإنشاء لجنة فرعية لفحص ورصد تحديثات كوفيد – 19 أو الحوادث ذات الصلة والإبلاغ عنها، ووضع استراتيجيات لضمان توسيع نطاق نفس التدابير بحيث تشمل قطاع النقل غير الرسمي.

ظهر توجه عالمي مهم خلال جائحة كوفيد – 19، وهو اختيار المواطنين للمشي أو ركوب الدراجة الهوائية لتجنب النقل العام والنقل باستخدام تكنولوجيا المعلومات (Hu, 2020; Laker, 2020). ومن شأن التنقل بهذا الشكل النشط تحسين الصحة الشخصية وبالتالي زيادة المناعة ضد المرض. كما يزداد الإقبال على وسائل النقل تلك خلال هذه الأوقات غير العادية بسبب الانخفاض الملحوظ في مستويات تلوث الهواء المحيط والسماء الزرقاء الصافية. كما انتشرت في أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا تدابير إعادة تقسيم الشوارع التي تعيد تخصيص مساحات الطرق بحيث يتم نقلها من السيارات إلى المشاة وراكبي الدراجات الهوائية (الشوارع للجميع). على سبيل المثال، تم إنشاء شبكة لممرات الدراجات الهوائية في بوغوتا (كولومبيا) للتخفيف من ازدحام وسائل النقل العام.

سوف ينتهي كوفيد – 19 مثل غيره من الأوبئة. وكما أدت مكافحة وباء الكوليرا الذي اجتاح لندن خلال القرن التاسع عشر إلى إنشاء علم الأوبئة والتوصل لابتكارات هندسية هائلة في أنظمة الصرف الصحي، يضعنا وجوب تحديث منظومة النقل في مصر لتتمكن من التعايش خلال العامين المقبلين أمام فرصة فريدة من نوعها لتحسين إدارة الصناعة وتحويل قطاع النقل غير الرسمي وإعادة التفكير في مساحة الطرق من أجل منظومة نقل أكثر إنصافًا واستدامة على المدى الطويل.

المراجع

  1. يشمل مشغلو النقل العام سكك حديد مصر التي تشغل سكك حديد الركاب؛ والشركة المصرية للمترو، وهيئة النقل العام بالقاهرة/ هيئة النقل العام بالإسكندرية اللتين تُشغلان الحافلات العمومية في القاهرة والإسكندرية؛ وجميع المشغلين الخاصين للحافلات أو خدمات الحافلات الصغيرة الذكية.
  2. يشمل منظمو النقل العام وزارة النقل، وعلى وجه الخصوص جهاز تنظيم النقل البري الذي تم إنشاؤه حديثا، والمحافظات، ووزارة الداخلية وأي هيئة عامة تمنح تصاريح لتقديم خدمات النقل العام.
  3. سخة أولية قبل الطباعة لستيفن م. كيسلير تيديانتو، وإدوارد جولدستين، ويونتان ه. غراد، ومارك ليبستيخ من كلية تي.إتش تشان للصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد. وتستنتج النسخة الأولية أنه "من شأن التباعد الاجتماعي المتقطع أن يمنع تجاوز إمكانيات الرعاية الحيوية غير أنه قد يكون من المطلوب اتباع هذه التدابير لمدة تتراوح بين 12 إلى 18 شهر. وبحسب معدل انشار العدوى (R0) ومقدار الموسمية، يجب أن يكون التباعد الاجتماعي "مطبقًا" بنسبة تبدأ بـ 25 % من الوقت لكنها تصل إلى 70% من الوقت".
  4. تعني مراقبة الدخول مراقبة أولئك الذي يستطيعون الوصول إلى وسائل النقل العام (أي ركوب الحافلات، ودخول محطة المترو وما إلى ذلك) ويمكن أن تُستخدم لفحص الركاب الذين يحتمل أن يكونوا مرضى؛ كما هو الحال مع المسافرين جوًا الذين يتم قياس درجة حرارتهم لدى دخولهم بلد ما.